ضجر ناجي العلي مما رسمه طوال سنوات, ورأى أنه كان مجرد أظافر تحاول هدم جبل, وتاق إلى أن يرسم رسوماً أخرى مختلفة تخاطب الأطفال والرجال الذين ما زالوا يحافظون على طفولتهم.
رسم ناجي العلي قطاً شرساً يتأهب للانقضاض على فأر, ولكن الفأر لم يخف من القط, وقال له مهدداً : الفئران هي اليوم أكثرية, والويل لك إذا لمحتك يوماً تمشي في شارع.
فاستولى على القط رعب شلّه ومنعه من التحرك والفرار, ولم يستغرب ناجي العلي ما حدث, وقال لنفسه : لا شيء في الدنيا لا يتغير, وكل صعود يعقبه هبوط.
ورسم ناجي العلي حماراً عجوزاً مغمض العينين يحتضر, ويحطّ بالقرب منه غراب أسود يتظاهر بالحزن, وقد فتح الحمار عينيه بتثاقل, وقال للغراب : سأموت مطمئناً إلى أن الغناء بفضل رعايتك له سيظل مهنة محترمة لا تسمح للأدعياء بالتسلل إليها.
فلم يستغرب ناجي العلي ما حدث, وقال لنفسه : حين يسود الشوك, ليس للورد إلا التلويح بالرايات البيض.
ورسم ناجي العلي نهراً عريضاً, غزير المياه, يمرّ في أرض تغطيها الخضراوات وأشجار الفاكهه, فهرع الناس إلى النهر, وبنوا على ضفتيه بيوتاً ودكاكين, ولكنهم اختلفوا في ما بينهم إذ زعم كل واحد منهم أن النهر نهره, وتفاقم اختلافهم إلى حد أنهم خاضوا قتالاً مرّاً دمّر البيوت وغطى الأرض بالجثث, فلم يستغرب ناجي العلي ما حدث, وقال لنفسه : من يتح له امتلاك الكرة الأرضية بكاملها لن يقنع بها, وسيحاول امتلاك السحب أيضاً.
ورسم ناجي العلي رجلاً أشقر الشعر يهدي كرة ملونة لطفل أسمر الوجه, أسود العينين, فشكر الطفل للرجل هديته, وبادر إلى اللعب بها, وبوغت بها تنفجر مهلكة كل ما حولها, فلم يستغرب ناجي العلي ما حدث, وقال لنفسه : كأن المخلوق البشري لا يولد في القرن الحادي والعشرين إلا ليكون إما قاتلاً وإما مقتولاً.
ورسم ناجي العلي رجلاً بديناً وامرأة هزيلة, فتجعد تواً وجه المرأة تذمراً وحنقاً, وقالت للرجل : هيا طلقني حالاً, فلم أعد أطيق غلاظتك.
فقال الرجل البدين للمرأة الهزيلة : ما تطالبين به أحلم بنيله في الليل والنهار وفي اليقظة والنوم حتى أتزوج امرأة أخرى جديدة وصغيرة السن وجميلة.
فلم يستغرب ناجي العلي ما حدث, وقال لنفسه : الحياة الزوجية تستحيل أحياناً كهوفاً يحتلها الهم والغم والعويل والعواء والمواء والزئير.
ورسم ناجي العلي كرسياً يفترس كل من يقعد عليه, فإذا الكرسي يطوقه فوراً المتنافسون على القعود عليه مرحبين بما سيحل بهم, ولكن أحد المتنافسين اختار أن يأكل الكرسي مفضلاً أن يحكم بلده مستلقياً على سريره, فلم يستغرب ناجي العلي ما حدث, فالحياة كرّ وفرّ ووقفة عز.
ورسم ناجي العلي طفلة صغيرة تحرر جنياً من قمقمه, فيتمطى الجني مبتهجاً بحريته, ولكن جنوداً مدججين بالأسلحة بادروا إلى إرغامه على العودة إلى قمقمه, فلم يستغرب ناجي العلي ما حدث, فعالم الجن أيضاً محكوم عليه بالهزيمة إذا ظل مسالماً أعزل.
ورسم ناجي العلي عصافير تغرد وأزهاراً من مختلف الألوان منتشية بالتغريد الذي يتناهى إليها, ولكن هدير الطائرات وهدير السيارات تآزرا معاً لينتجا ضوضاء قضت على كل تغريد, فلم يستغرب ناجي العلي ما حدث, وقال لنفسه : لكل زمان تغريده ومغردوه.
ورسم ناجي العلي رجالاً غاضبين مسلحين بالعصي, يضرب بعضهم بعضاً, فأحاط بهم رجال الشرطة, واعتقلوهم, واقتادوهم إلى سجون لا خروج منها, فلم يستغرب ناجي العلي ما حدث, وقال لنفسه : لعل امتلاك عصا في بلد ما هو محظور دولياً وجريمة ضد الإنسانية بينما امتلاك القنابل النووية في بلد آخر مسموح ومرحب به وحماية للخير.
ورسم ناجي العلي ثيراناً تطير في سماء زرقاء, فسارعت الطيور إلى عقد اجتماع عاجل مخصص للبحث في السبل الكفيلة بدحر المعتدين على فضائها, فلم يستغرب ناجي العلي ما حدث, وقال لنفسه : الطيور تختلف عن بني البشر ولا ترحب بالغزاة الغرباء.
ورغب ناجي العلي في رسم المزيد, ولكن وقت ذهابه إلى عمله في إحدى الجرائد قد حان, فهرع نحوها من دون أن يعلم أن ثمة قاتلاً مأجوراً سيكون في انتظاره.
منقول من جريدة الثورة السورية